-

ست الشام خاتون ... بقلم : ست الشام خاتون ... بقلم : أحمد النبعوني

22.01.2016 | 14:57

"ستّ الشـام خاتون"
السيدة، الأميرة،
أم الفقراء،
وراعية العلم والعلماء

 

تعتبر المرأة في العصر الأيوبي من أهم أعمدة الحركة العلمية والسياسية في الدولة؛ مما أهّلها لتكون سيدة الشرق في القرنين السادس والسابع الهجريَّيْن. ولعل من أبرزهن وخير من يتقدمهن زمردة بنت نجم الدين التي تُعتبر الجندي المجهول الذي قام على إعمار المدارس والاهتمام بالأدب والأدباء والعلم والعلماء والفقراء والمحتاجين.


يقول الإمام الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء: «خاتون أخت السلاطين... لها بر وصدقات وأموال وخدم» أخت الملوك وعمة أولادهم وكان لها من الملوك المحارم خمسة وثلاثون ملكاً.

من هي ست الشام ولماذا لقبت بهذا الاسم ؟

إنها زمرد خاتون بنت نجم الدين أبي الشكر أيوب بن شاذي بن مروان، وخاتون لقب لكل امرأة محترمة وهذه الكلمة ما تزال متداولة عند العرب والأكراد المسلمين في العائلات العريقة في البلاد العربية خاصة العراق.

لقب أبوها بالملك الأفضل حيث كان يعمل مع أخيه أسد الدين شيركوه في خدمة نور الدين زنكي بمرتبة وزراء.
 


من إيمان الملك الأفضل بدينه وقيامه بواجباته من صلاة وصيام وزكاة وكرم وجود نفس اكتسبت خاتون – زمرد – كل الصفات الحميدة خاصة أن أخاها صلاح الدين الأيوبي لم يكن أقل شأناً من أبيه في طاعته لربه وحمايته لدينه وسعيه في الجهاد لإعلاء كلمة الحق التي هي كلمة الله وهو أعرف من أن يُعرف في هذا الصدد.
 


في دمشق مقابل البيمارستان النوري كانت تقطن في بيت كبير جعلته مقصداً وملاذاً للخائفين من بطش الإفرنج رجالاً ونساء وكانت تقدم الصدقات لكل محتاج وتغدق في عطائها عليهم وقد ألف ابن قاضي شهبة كراسة في ست الشام ومناقبها.
 


تزوجت من محمد بن عمر بن لاجين ويبدو أنه مات في فترة زواجهما الأولى، ثم تزوجت من محمد بن شيركوه فهو من أبناء عمها وكان صاحب مدينة حمص، ومما يذكره عنها ابن أبي شامة . في ذيل الروضتين مايلي: (قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: كانت سيدة الخواتين، عاقلة، كثيرة البر والإحسان والصدقات وكان يعمل في دارها من الأشربة والمعاجين والعقاقير في كل سنة بألوف الدنانير) مما يجعلنا نقول أنها كانت جديرة بلقب ست الشام.
 


حادثة الكرك:

مع قافلة كبيرة سافرت ست الشام برفقة ابنها محمد بن لاجين الملقب بحسام الدين لقضاء فريضة الحج حتى إذا وصلت إلى منطقة قريبة من الكرك تعرض لها أرناط – صاحب الكرك الصليبي- وحين بلغ صلاح الدين ما تعرضت له أخته خاتون وولدها والقافلة أقسم أن يقتل أرناط بيده.


أم الفقراء

اهتمت ست الشام بالمشاريع الخيرية؛ حيث صرفت جُلّ وقتها وأكثر أموالها في خدمة الضعفاء والمحتاجين والمصابين والمنكوبين؛ وحينما انتقلت إلى دمشق، سكنت في دار واسعة قِبْلي البيمارستان النوري، جعلته مقصداً وملاذاً للخائفين من بطش الإفرنج رجالاً ونساء، وكانت تقدم الصدقات لكل محتاج وتغدق في عطائها عليهم، ومما يذكره عنها ابن كثير في تاريخه: «كانت من أكثر النساء صدقة وإحساناً إلى الفقراء والمحاويج وتعمل في كل سنة في دارها بألوف من الذهب أشربة وأدوية وعقاقير وغير ذلك فيفرَّق على الناس». حتى عُرفت بين معاصريها بمحبتها للخير وإيثارها لأهله.

راعية العلم

أبرز ما قامت به إنشاء مدرستين عظيمتين، هما:

1- المدرسة الشامية البرانية: أنشأتها سنة 582 هـ، وتعرف بالمدرسة الحسامية نسبة إلى ابنها الأمير حسام الدين. وقد عيّنت فيها خيرة علماء عصرها، واشترطت عليهم ألا يدرسوا بمدارس أخرى لضمان تفرغهم وتلبية حاجة الطلبة من الاهتمام الكافي. وكان أول من درَس بها من العلماء الإمام الكردي الشهرزوري, والقاضي شرف الدين بن زين القضاة، وغيرهما من العلماء. وقد أوقفت الست زمردة خاتون على المدرسة أوقافاً ضخمة من أموالها.
 


2- المدرسة الشامية الجوانية: يذكر المؤرخ شهاب الدين النويري أنّ الخاتون ست الشام عندما لحق بها المرض «جعلت دارها مدرسة ووقفت عليها وقوفاً» حتى أصبحت من أكبر المدارس وأعظمها، وأكثرها فقهاء، وأكبرها أوقافاً، وكانت بمحلة العقيبة بدمشق، وقد درّس بهذه المدرسة العديد من العلماء والفقهاء، أمثال: شيخ الشافعية ابن قاضي شُهبة - قاضي القضاة تقي الدين ابن عجلون - الشيخ تقي الدين السبكي - الشيح تاج الدين السبكي.

هذا وقد ذكرت ست الشام في نص الوقفية أن من شرط الفقهاء والمتفقهة والمدرس والمؤذن والقيم أن يكونوا جميعاً من أهل الخير والدين والصلاح والعفاف وحُسْن الطريقة وسلامة الاعتقاد والسنة والجماعة.

وفاؤها لأخيها

ذكر ابن شداد في سيرة صلاح الدين أنه توفي يوم الخميس مستهل صفر، بثغر الإسكندرية المحروس، ونقلته أخته شقيقته ست الشام بنت أيوب إلى دمشق، ودفنته في مدرستها التي أنشأتها بظاهر دمشق، فهناك قبره وقبرها وقبر ولدها حسام الدين عمر بن لاجين وقبر زوجها ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن أسد الدين شيركوه صاحب حمص.

وفاتها

في يوم الجمعة الموافق للسادس عشر من ذي القعدة سنة 616 هجرية توفيت ست الشام بدمشق بدارها المقابلة للبيمارستان النوري بجنازة رهيبة تحدثت عنها الركبان؛ فقد سار الناس وراء نعشها بالآلاف وهم يردِّدون الأدعية لها حيث دفنت فوق ولدها حسام الدين، ويقال بأن جنازتها كانت فريدة إذ لم تشيع امرأة قبلها بمثل ما شُيعت به خاتون ست الشام.

من كتاب دمشق الشام لمنير كيالي بالتصرف
 

 




https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts