-

ياليت التعديل الوزاري الأخير شمل أربعة وزراء وليس ثلاثة فقط.. بقلم: د.عبد الحميد سلوم

05.04.2017 | 13:18

*لا أحدا في الشارع السوري ينزعج لتغيير أي مسئول وإعفائه من مسئوليتهِ، بل على العكس إنه مطلبٌ عام أن يتم تغيير المسئول، مهما كان، كل اربع سنوات (وزير، محافظ ، سفير، مدير عام... الخ). فليس هناك مِن نابِغة ولا يوجد في وطننا من هُم (فلتة زمانهم) ولا يوجد بديل لأحدهم، بل هناك مئات البدلاء لكل مسئول وأكفأ وأقدر منه أضعاف المرات، ولا يجوز أن يبقوا وزراء عَقدٍ وأكثر من الزمن، ولا سفراء عقدٍ ونصفٍ من الزمن، ولا مُحافظين، ولا غير ذلك.. فالمياه الراكدة هي مصدر الروائح الكريهة وبيئة مناسبة للحشرات والطفيليات والطحالب والبكتيريا!..
 

 

* لا يوجد مسئول أعطى للوطن وخدمَ الوطن واحد بالألف مما خدمَ مصالحهُ ومصالح أسرتهِ وأهله، وهذا كان دوما أحد أسباب البلاء وتحويل المؤسسات إلى بؤر للفساد والترهُّل والروتين والبيروقراطية، عدا عن قطع الطريق أمام أي شكل من أشكال تكافؤ الفرص، وتحويل المؤسسات إلى إقطاعيات ومزارع للمسئول والمقربين منه.. وهذا بدورهِ يثير حفيظة الآخرين من أبناء الوطن الذين يجدون في أنفسهم الكفاءات والخبرات التي تفوق تلك لدى الوزراء والسفراء والمحافظين وغيرهم، ولكن طُرق الاختيار الخاطئة المريضة المتخلفة التي لا تقوم على معايير الكفاءة والخبرة والمؤهلات، وإنما على معايير المحسوبيات والمحاصصات والشخصنات والقرابات والتبنِّي، حتى لا نقول الرشاوى ايضا، ، فقد أهلكتْ الدولة وشوهّتها!..


*كم كُتِبتْ من تعليقات على أصحاب الشأن في إحدى وزارات الدولة السيادية قبل ست سنوات، وكم ذهبتْ من شكاوى ضد راس الوزارة بعدها، حينما منحَ صلاحياتهِ الوزارية إلى سائقهِ الجاهل الذي لا يحمل أدنى الشهادات العلمية، وجعل منه الآمر الناهي في الوزارة لمدة ثمان سنوات، وكان الكبير قبل الصغير في الوزارة يتمسّحُ له ليكسبَ رضاءهُ، دون أن يتجرّأ أحد على مجابهته أو نقد هذه الظاهرة غير المسبوقة في مكانٍ بالعالم!. وحينما كثُرتْ الشكاوى ووصلت لأعلى جهة بالدولة جاءت التوجيهات بإبعاد السائق عن الوزارة، وبدل إبعاده إلى بيتهِ، أو على الأقل وضعهِ موظف استعلامات على باب الوزارة الخارجي، فقد تمّ نقلهِ إلى مكانٍ في الخارج كي يتقاضى بالشهر آلاف الدولارات (على حساب أولاد الفقراء الذين ضحُّوا بدمائهم)!.. بل يمضي في كل مكان سنة واحدة ثم يطلبُ نقله إلى مكانٍ آخرٍ وفورا تتم الاستجابة إلى طلبهِ دون تردد (يعني يقضيها سياحة من دولة إلى دولة وهو يقبض باليورو، وأبناء الفقراء يقضونها من جبهة إلى جبهة ومن معركة إلى معركة كي يبقى البعض يقبضون باليور ما يعادل الملايين كل شهر، و يكدسون اليورو وأولادهم جميعا في مأمنٍ بعد أن أبعدوهم لخارج الوطن، أو دفعوا لهم البدل النقدي، بينما يبقى الفقراء يُكدِّسون جُثثَ أبنائهم في القبور)!. ويا هيك الشطارة يا بلا!. ولهذا ليس غريبٌ أننا في مرحلة ما قبل الدولة ولم نستطع أن نبني دولة قانون ومؤسسات ومعايير وتكافؤ فرص كل هذا الزمن الطويل، لماذا؟!. إنه عموما بسبب العقليات التي افتقرت للوجدان والضمير والأمانة، في ممارسة صلاحياتها ومسئوليتها ورفضتْ أن تعتبر كل أبناء الوطن مواطنين متساوين وكاملي المواطنة!..ومعروفٌ كم يؤدي سلوك أولئك من ضررٍ على الدولة والوطن!.


*انعدمتْ في تلك الوزارة كل اشكال المعايير والضمير، وتمَّ الدعسُ بوزنِ الفيلة على كل اشكال العمل المؤسساتي، وكل أشكال التراتبية والأقدمية، بل الدعس حتى على ذوي الشهداء، وكانت رئاسة الإدارات تُسندُ لهذا وذاك من المراتب الأصغر، بحسب أمزجة السائق ورضاهُ عن هذا وذاك... فأقصى كل من يعتزُّ بنفسهِ وتأبى كرامتهُ أن يخضع لسلطة سائقٍ جاهلٍ، (أقصاهم مهما كانت خبرة أحدهم ومؤهلاته العلمية وتاريخه المهني المُشرِّف من كفاءةٍ، ومقدرةٍ على تحمُّل المسئولية، والمبادرة، واتخاذ القرار ، والقدرة على الحديث والاقناع وامتلاك الحجّة... بل لم يشفع حتى انتماء البعض لذوي شهداء، لأنهم لا يعرفون معنى الشهادة ولا يعرفون حاجةَ ذوي الشهداء لمساعدة أقاربهم لهم، فهم لم يخسروا أخا ولا ابن أخ، وأولادهم جميعا في مأمنٍ من المخاطر وبعيدون عن الجبهات .. الخ..). لقد أبعدوا خيرة أبناء الوزارة وأكثرهم تاريخا نضاليا عن رئاسة الإدارات، حتى يحرمونهم من امتيازات المدراءكـ (سيارة من الدولة، وقسائم بنزين، ومكتب فسيح مُزوّد بكل شيء، من التلفزيون وحتى الفاكس والانترنت، ومدخل خاص لدخول الوزارة أو للخروج منها، وإعفاء من المناوبات.... الخ) ...وأداروا الوزارة بطريقة، أجزم بالله لو كان هناك أعداء لهذا الوطن يديرونها لما أداروها بأسوأ من ذلك!.


*المحسوبيات والشخصنات تحكمّت بكل شيء، وباتَ من يملْ الخشبَ عينيه، ينتقد القذى بعيون الآخرين، والغارق بالمفاسد، يأخذ على غيرهِ أتفه الأمور، بل يفبرك ويكذب، ويتبنى الأكاذيب ويأخذ بكل ما يمكن أن يكيد بهِ للآخر المختلِف معه!. وللأسف هناك من أخذتهم الأبعاد الطائفية والمذهبية في محاربة زملاءٍ لهم!.والشعار المعمول به والواضح هو : وعين الرضا عن كلِّ عيبٍ كليلة، ولكنّ عين السخطِ تُبدي المساوي!.


*هذه ليست افتراءت وإنما حقائق يمكن التفصيل بها بالأسماء والوقائع والأدلة الموثقة إن لزِم الأمر..


*كم من الشكاوى ذهبت إلى أعلى الجهات بالدولة، وإلى مجلس الشعب، ولكن لم يستدعي أحدا رأس تلك الوزارة ويسائله عن كل تلك الممارسات في وزارتهِ، وعن المعايير المزدوجة التي تعاملَ ويتعاملُ بها مع كوادره، وعلى أي أساسٍ استندَ حينما دعسَ على التراتبية والأقدمية وتكافؤ الفُرص في إسناد المناصب، أو مَنحِ الألقاب المهنية، وتقفيز هذا فوق ذاك، ومحاباة هذا وذاك على حساب غيرهم!.


*كم من الناس حُوكِمت بتهمة إضعاف الروح الوطنية، ولا أعتقد أن هناك بيئة في الدولة مُورِست بها سياسة إضعاف الروح الوطنية أكثر من تلك البيئة المُشار إليها!.


*تغيير الوزراء الثلاثة مؤخرا هو حالة إيجابية ويجب أن تستمر، وياليتَ تم معهم تغيير أقدم الوزراء لعشرات الأسباب، ولكن للأسف هذا لم يحصل!. وهذا يدفعنا للسؤال مجددا:


*بأي حقٍّ يجوز لشخص بلغ منتصف العقد السابع من العمر أن يبقى في أعلى المناصب ويصرف أناسا أصغر بـ 15 سنة لبيوتهم وهم في عزِّ صحتهم وحيويتهم ونشاطهم وخبرتهم، وفي خطوة غير مسبوقة، ارتآها سائق جاهل لإرضاء كيدهِ ولؤمهِ وحقده على كل من يعتزُّ بكرامته ولا يرضخ له، وهؤلاء هُم من يوزعون شهادات وطنية ونزاهة وضمير على كل دُعاة الوطنية والضمير، وتاريخهم النضالي يشهد لهم على ذلك (بينما يُبقي على زملاء لهم من أعمارهم على رأس عملهم)؟. هل هذا شغل رجال دولة أم رجال عـصـ ...؟. وهل هذا وطنٌ لجميع أبنائه أم لشريحةٍ فقط من أبنائه؟. وهل من حق الناس أن تنتفض بوجه هذا الظُلم أم لا؟. فإما دولة للجميع ومساواة للجميع وتكافؤ فرص للجميع وعدالة للجميع وقانون واحد على الجميع، وإما الطبيعي أن ينتفض كل المظلومين والمتضررين، هذا حقهم!.


*كم هو مؤلما أن نقضي عمرنا بالعمل النضالي الحزبي والنقابي، ونحمل أعلى الشهادات العلمية، ثم ياتي أخيرا من لا يعرف معنى النضال ولم يعطي هذا الوطن مثقال ذرة دون أن يأخذ بمثقال رطلْ، ليمنحك شهادة حسن سلوك ويقرر مستقبلك، في الوقت الذي يجب أن تمنحهُ أنتَ شهادة حسن السلوك وتقرر مستقبلهُ!. ولذا ليس من الغريب إطلاقا أن تصل هذه البلد إلى ما وصلت إليه، لأن كل شيء كان يسير بالمقلوب!.


*بأي حقٍّ يبقى البعض من منصبٍ لمنصبٍ والأكفأ منهم (ومن أعمارهِم) يتحسّرون على حالهم وكأنهم غرباء في وطنهم؟. هل من ظلمٍ أكثر من ذلك؟. هل من إقطاع سياسي أكثر من ذلك؟. هل من دفعٍ للبشر للشوارع أكثر من ذلك؟.هل من تحريض للناس لكراهية ذوي الشأن والقرار في هذا البلد أكثر من ذلك؟.


*هل علمتنا كل هذه الدماء والدمار على مدى ست سنوات شيئا في كيفية إعادة النظر بكل منهجية إدارة هذه الدولة واختيار الناس لمواقع المسئولية على أسسٍ وقواعد ومعايير واضحة وشفافة؟. الجواب : كلا ، لم يتعلموا شيئا من كل ذلك، وهنا يكمن البلاء الأعظم، أن لا تتعلم حتى من تجاربك المريرة!. ومسكين أيها الوطن، والله إننا نحبك كثيرا وأبينا أن نتركك ونغادرك، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة!. 


TAG: