من خردة قديمة … إلى خردة جديده .... بقلم سامي السامي

"في ظاهره رحمة، وفي باطنه نار" ، هكذا وصف قرار منع استيراد السيارات المستعملة والجديدة باستثناء تلك الحديثة جدا المصنّعة خلال عامين فقط، حيث لا يبدو القرار مجرد إجراء اقتصادي، بل هو تجاهل للواقع المعيشي ولحق كل مواطن في التنقل بوسيلة آمنة وملائمة متاحة لمختلف ميزانيات.

القرار الذي لم يحمل حتى توقيع وزير الاقتصاد زاد من غموضه حيث حمل القرار توقيع لشخص آخر مجهول لم يكتب أسمه. فمن هو هذا الموقّع؟ وأين كان وزير الاقتصاد حين صدر قرار بهذه الحساسية؟ وهل يجوز تمرير قرارات تمسّ اقتصاد البلد ومصالح الناس بهذا الشكل الغير الشفاف بدون إشراف الوزير شخصيا؟ حيث لا يوجد بعمل المؤسسات موظف يوقع عن موظف إلا بتفويض محدد بالقانون و بمسائل أقل أهمية و يجب على الشخص الموقع أن يذكر عند التوقيع عبارة" بالتفويض" و يكتب أسمه و مكانته الوظيفية.. عندها فقط يكون المفوض و الموظف الطرفان المسؤولان عن نتائج القرار أمام الرأي العام فهذه مسألة أساسية في حوكمة القرار الاقتصادي وشفافيته.

الصدمة الأكبر كانت في أن بعض تجار السيارات كانوا على علم بالقرار قبل صدوره! ووثّقوا ذلك بفيديوهات منشورة. فكيف علموا؟ ولماذا لم يُكشف مضمون القرار إلا بعد أن خزّنوا ما يكفيهم من السيارات؟ الأمر لم يعد مجرّد سوء إدارة، بل خطر يهدد ثقة الناس بالحكومة ومؤسساتها.

السوق في سوريا لم يكن لديه مشكلة "خردة السيارات" أو السيارات الغير مطابقة للمعايير بهذا النمط فالمسؤول عن حالة السوق الراهنة هو وزير الاقتصاد الحالي والسابق هم أنفسهم من سمح منذ أشهر باستيراد مثل هكذا سيارات وإغراقه بمركبات قديمة دون معايير و إعطائها لوحات سورية ، فلماذا الآن يريدون تحميل المواطن تبعات فشل الرقابة الحكومية على وزارة الإقتصاد الحالية؟.

أما وزارة الاقتصاد صرحت أن هذا المنع للمركبات بحجة الحفاظ على القطع الأجنبية و معايير المركبات. وكأنّ الدولة تمول المستوردات بالقطع الأجنبي أو ان مدخراته الناس بالليرة السورية..

فحتى الخضروات أصبحت تسعر بالدولار فالمواطن له الحق التصرف بماله و مدخراته تصرف المالك بملكه لا التضيق عليه و محاصصته على مدخراته وكأنّه هو الذي ارتكب الأخطاء الأقتصادية ويجب أن يدفع ثمن تجاربهم من مدخراته أو دفعه ليشتري سيارة من التي دخلت للبلد على يد وزارة الاقتصاد و التي هي "دون المعايير" كما أقرت الوزارة نفسها مما يعرض المواطنين للخطر..

و ذلك مؤكد بموجب تصريحات الوزارة حيث يتوجب على الوزارة الساعة لحماية مصالح و أرواح الناس مع دائرة حماية المستهلك سحب كل السيارات الغير مطابقة للمعايير فورا.. لأنها تعرض حياة الناس و المارة للخطر المحدق و إحالة المسؤولين للمساءلة

هكذا تتعامل الحكومات عند تكتشف سلعة دخلت للسوق دون المعايير... لا اغلاق الحدود و دفع الناس لشراء سيارات فاسدة و الغير مطابقة للمعايير .. الاقتصاد لا يقوم على التجارب او الإرتجال بل على العلوم الحديثة.

أما استهداف مدخرات المواطنين المحدودة لسدّ فجوات مالية ناتجة عن سوء إدارة ليس إلاّ شكلاً من أشكال المصادرة غير المباشرة لأموال الناس وحقهم في امتلاك وسيلة نقل تناسب ميزانيتهم المختلفة و تكون آمنة ومناسبة ضمن المعايير الدولية و هي غير متوفرة حاليا في السوق المحلية ذلك طبقا لتصريح الوزارة.

من المضحك المبكي أن الوزارة تسوق الآن بأن “البنية التحتية لا تتحمل”، ناسفةً أبسط الحقوق فلكل مواطن الحق في استخدام الطرق بمركبة مريحة و آمنة!

فهل الشوارع بعد القرار ستتخلص من الازدحام؟ هل علاج داء السكر بمنع إستيراد السكر؟؟  الحل ليس بحرمان الناس من استعمال الطرق أو وسيلة نقل لائقة كريمة، بل الاستثمار في الطرقات نفسها، وإعادة تأهيل المرافق، وتطبيق هندسة مرورية حديثة، وزيادة كادر شرطة المرور بسرعة. الدولة لا تُبنى بتقييد الناس بل بخدمتهم.

نحن دائما نسمع حديث المسؤولين ليلا نهار عن "سياسة السوق المفتوح" والخصخصة.. الخ وبهذا القرار يناقض طروحاتهم فهذا القرار يذكر باقتصادات القيود السوفيتية السابقة و هذا تناقض جوهري في السياسة الاقتصادية يبعث برسالة سلبية للمستثمرين المحليين والأجانب. السوق المفتوح لا يقوم على المنع، بل على حرية العرض والتنافس وكسر الاحتكار. ما تحتاجه سوريا فعلًا هو فتح الاستيراد المنظم،  وتشجيع إعادة تصدير للفائض و الذي لا يتوافق مع المعايير لتعود سوريا مركز للتجارة الدولية، لا أن تُغلق الحدود بوجه حركة التجارة وتُعاقب الناس مرتين.

الأخطر من ذلك أن القرار يحصر الاستيراد بالسيارات الحديثة جدًا، المرتفعة الثمن، والتي لا تتناسب بأي شكل مع قدرة الناس الشرائية بعد حرب طويلة ونزيف اقتصادي. هذا سيفتح الباب أمام شراء سيارات “خردة” لكن بتواريخ تصنيع حديثة، لكنها خالية من أي معايير أمان، مثل سابا وريو وغيرها، والتي كانت تُباع بأسعار مُضخمة رغم افتقارها التام لأبسط معايير السلامة العالمية (مكابح ABS، وسائد هوائية، هيكل ضعيف ضد أي صدمات) تعرض من يقودها للخطر و هذا يناقض الهدف المعلن من القرار للحفاظ على السلامة ويُعرض أرواح الناس للخطر. و كأن قدر هذه البلد الأنتقال من خردة قديمة ... الى خردة جديدة.

الاقتصاد ليس بهذا الشكل ليس حقل تجارب هذا بلدنا، ولا يمكن إصلاح خطأ بخطأ جديد. لكل مواطن الحق في اقتناء سيارة آمنة وفق معاير عالمية بلا ضرائب سواء جيده أم مستعملة تناسب ميزانيته و معايير السلامة، فالمطلوب هو التشجيع على بدائل آمنة ومنظمة، لا فرض قرارات تفتقر إلى الحد الأدنى من الشفافية والتخطيط.

 

-----------------------------------------------------------------------

*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع

*ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]

 

 


المواضيع الأكثر قراءة

SHARE

close